REVUE DE PRESSE – ULTRA TOUNES – التعايش مع الأمراض المنقولة جنسيًا عائق أمام التعايش الاجتماعي؟
- قمر الزمان الخالدي –
رغم وضع استراتيجيات دولية وأخرى وطنية لرفع اللبس عن الأمراض المنقولة جنسيًا وتحديدًا فيروس نقص المناعة البشري المكتسب، فإنّ الموضوع يبقى شائكًا بعض الشيء، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالنساء والأطفال والأقليات الجنسية، فمن المعلوم أن الحق في الصحة والعلاج من الحقوق الأساسية لجميع الناس، وأن هذا الحق هو ذو بعد كوني منصوص عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما أضفى عليه الطابع الإلزامي هو تنزيله في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي جاء فيه:
- « تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
(أ) العمل علي خفض معدل موت المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموًا صحيًا،
(ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،
(ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،
(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض ».
معاناة الشخص الحامل للفيروس تجاوزت البعد الصحي لتأخذ بعدًا اجتماعيًا، حيث أصبح وصمًا اجتماعيًا يتعايش معه حامل الفيروس إلى جانب مرضه
وبالعرض الموجز للأطر التشريعية الدولية للحق في الصحة، يتجه بنا الأمر إلى التطرق للنقطتين (ج) و(د) من المادة 12 للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فحسب ما جاء في النقطة (ج) فإن الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، تنطوي تحت التدابير الواجب على الدولة اتخاذها لضمان ممارسة فعلية وتمتع كلّي بالحق في الصحة، وإلى جانب هذا وجب على الدولة أيضًا تهيئة الظروف اللازمة لتأمين خدمات وعناية طبية للجميع في حالة المرض مثلما نصت عليه النقطة (د) من المادة 12 من نفس العهد الدولي.
ونظرًا لمبدأ مواءمة الدساتير الوطنية مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، ترجمت الدولة التونسية البنود المذكورة أعلاه في الفقرة الأولى من الفصل 43 والذي جاء في باب الحقوق والحريات في دستور 2022: « الصحة حق لكل إنسان. تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية ».
لا ينتقل الإيدز عبر العلاقات الجنسية فقط، بل من الممكن أن ينتقل أيضًا عبر نقل الدم والحمل والرضاعة الطبيعية واستعمال نفس الحقن المخدرة بالنسبة للمدمنين
حيث ينص هذا الفصل في مطلعه على أن « الصحة حق لكل إنسان » ويمكن أن نستخلص من عبارة « لكل إنسان » هو أن هذا الحق الدستوري لا يشمل مواطني الدولة التونسية أي حملة الجنسية التونسية فقط بل إنه حق منفتح بصيغة جامعة وإنسانية، يمتد ليصل إلى المُهاجرين والمقيمين غير الشرعيين بالبلاد التونسية وغيرهم، وهو تأكيد على كونية وشمولية هذا الحق.
ويستوجب تطبيق هذه التشريعات، رسم سياسات صحية واتباع استراتيجيات وطنية ودولية بغاية ضمان حق الجميع في الصحة والعلاج، بقطع النظر عن طبيعة الأمراض بل إنّ هناك أمراضًا تستوجب توعية أكبر، كما تحتاج إلى مقاربة وطنية مشتركة ما بين هياكل الدولة والمنظمات غير الحكومية لوضع حد لانتشارها ومكافحتها.
ومن هذه الأمراض نذكر الأمراض المنقولة جنسيًا والتي نلاحظ ببحث بسيط، الاهتمام الذي أولته لها منظمة الأمم المتحدة، حيث أن برامج التوعية بمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز قد شملت تقريبًا أغلب الهياكل المنبثقة عن جمعية الأمم المتحدة وذلك للحد من الانعكاسات السلبية خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.اقرأ/ي أيضًا:بين الوصم والنبذ وكورونا: معاناة مصابي السيدا في تونس تتضاعفتحذيرات من نفاذ محلول اختبار فيروس السيدا.. والمركز الوطني لنقل الدم يرد
كما وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامجًا خاصًا لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية وأطلقت عليه اسم « برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز) » ومنه انطلقت التوصية لاعتماد 1 ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة، يومًا عالميًا لمكافحة الإيدز وذلك بغاية التوعية والتثقيف حول ماهية هذه الأمراض وطرق الوقاية من الفيروس والحد من انتقاله.
ونظرًا لأن انتقال هذا الفيروس من شخص إلى آخر يكون أساسًا عبر الاتصال الجنسي، أي عبر العلاقات الجنسية غير المحمية، فقد بقي من الأمراض التي تحوم حوله العديد من المغالطات، لذا فإنّ معاناة الشخص الحامل للفيروس تجاوزت البعد الصحي لتأخذ بعدًا اجتماعيًا، حيث أصبح وصمًا اجتماعيًا يتعايش معه حامل الفيروس إلى جانب مرضه، خاصة في المجتمعات التي لا زالت تتعاطى مع موضوع الجنس على أنه من المواضيع المحرمة والمحظورة.
لكن لتفادي المغالطات التي تحوم حول انتقال الفيروس، وجب علينا توضيح الطرق الأخرى التي من الممكن أن ينتقل من خلالها فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز، وهي نقل الدم والحمل إن لم تتلق الأم العلاج اللازم أثناء فترة حملها، وكذلك الرضاعة الطبيعية واستعمال نفس الحقن المخدرة بالنسبة للمدمنين.
لا يمكن أن ينتقل فيروس الإيدز عن طريق اللُعاب أو التقبيل أو استعمال نفس أواني الأكل مع المتعايش مع الفيروس، فهذه من المغالطات
ولا يمكن أن ينتقل الفيروس عن طريق اللُعاب أو التقبيل أو استعمال نفس أواني الأكل مع المتعايش مع الفيروس. إذًا، فإن رواج هذه المعلومات الخاطئة وتصديقها دون البحث في مدى صحتها هو ما يؤدي إلى إقصاء المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس من التعايش الاجتماعي.
حيث يتم التعامل معهم بشكل دونيّ ورفضهم من طرف الآخر، وهذا خطير.. لكن الأخطر من ذلك هو إقصائهم من فضاءات الصحة العمومية رغم أن الصحة حق أساسي وكوني كما بيّننا منذ البداية، فمن المفروض أن يكون التعامل داخل المؤسسات الصحية مع الحالات الحاملة للفيروس تعاملًا واعيًا يحفظ كرامة الذات البشرية كما يحفظ سرية المعطيات الشخصية.
وقد تم منذ مدة نشر مقطع فيديو مصور من طرف مقيمة بالمستشفى الطاهر المعموري بنابل صادف تواجدها لإجراء عملية جراحية ولكن نظرًا لعلم الطاقم الطبي بأنها متعايشة مع الفيروس فقد وقع التعامل معها بأسلوب فظ وغير إنساني كما تم كتابة VIH ++++ على ملفها الطبي بشكل واضح للعموم مما يعتبر خرقًا لمعطياتها الشخصية وخرقًا للسر المهني المفروض على الطاقم الطبي بموجب أحكام مجلة التزامات الطبيب والفصل 254 من المجلة الجزائية والتي تصل العقوبات فيها إلى 6 أشهر سجنًا وخطية مالية قدرها 140 دينار.
بعض السجناء الحاملين للإيدز يتعرضون إلى المعاملات القاسية ولا يتم احترام خصوصية أمراضهم بل يتم إفشاؤها علنًا بقصد خلق الإحراج بينهم وبين بقية السجناء
فمثل هذه الأساليب والنظرة الدونية التي تصدر عن الطاقم الطبي وشبه الطبي تجعل من المتعايش مع الفيروس محل إحراج، بل يصل البعض منهم إلى رفض العلاج ورفض الذهاب للمراقبة الدورية تفاديًا لتلك النظرة والمعاملة القاسية التي تنم عن جهل أصحابها بأصل الفيروس بل وحصره في طريقة انتقاله عبر الجنس، إذًا بالنسبة لهم هو عقاب إلهي على أفعال محرمة.
كما أن عدم احترام المتعايشين والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية لا يكون في وحدات الصحة العمومية فقط، بل في المؤسسات السجنية أيضًا. حيث أن بعض السجناء الحاملين للفيروس يتعرضون إلى المعاملات القاسية ولا يتم احترام خصوصية أمراضهم بل يتم إفشاؤها علنًا بقصد خلق الإحراج بينهم وبين بقية السجناء إلى جانب عدم توفر الرعاية الصحية اللازمة.
وقد اخترنا المؤسسات السجنية والصحية كأمثلة للفضاءات العامة التي يُمارس فيها الوصم الاجتماعي لأن هذه الهياكل هي تحت إشراف الدولة وبالتالي كان من الأجدى أن يكون التعامل فيها في إطار القانون أي أن لا يتم التمييز فيها بين المواطنين على أي أساس، بل يجب أن يعامل داخلها الجميع بقطع النظر عن انتماءاتهم وعرقهم وميولاتهم وصفاتهم.
كذلك يجب توعية الأفراد العاملين في هذه الفضاءات العامة بالأمراض المنقولة جنسيًا وطرق انتقالها من شخص إلى آخر.
الحل لتجنب حالات الوصم الاجتماعي، يقوم على التوعية، وهو الدور الأساسي لهياكل الدولة بالشراكة مع الجمعيات الناشطة في المجال الصحي
ويبقى الحل لتجنب حالات الوصم الاجتماعي، مرتكزًا على التوعية، وهو الدور الأساسي لهياكل الدولة بالشراكة مع الجمعيات والمنظمات الناشطة في المجال الصحي مثل الجمعية التونسية لمكافحة الأمراض المنقولة جنسيًا والسيدا ATL MST والجمعية التونسية للوقاية الإيجابية ATP + وغيرها..
حيث صرحت رئيسة الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية بوجود عمل مشترك بين عدد من الشركاء الاستراتيجيين للجمعية والهياكل الرسمية للدولة وذلك للعمل على الاستراتيجية الوطنية للتوعية والتقصي عن الأمراض المنقولة جنسيًا وعلاجها ومتابعتها.
أما بالنسبة للتعاطي الإعلامي مع موضوع الأمراض المنقولة جنسيًا والسيدا، فقد عملت الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية على الاشتغال مع عدد من الصحفيين والصحفيات على ورشة تكوينية للصحفيين والصحفيات في منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وذلك في إطار التوعية بأهمية نشر الوعي بهذه المسائل وكيفية التطرق إليها.اقرأ/ي أيضًا:إدمان الحقن.. أخطر أنواع إدمان المخدراتانتصرن على السرطان.. حديث عائدات من المرض « الخبيث »
كما انطلقت منذ يوم 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022، الحملة الإعلامية القارة للتوعية بالأمراض المنقولة جنسيًا والوقاية منها في عديد الوسائل الإعلامية العمومية والخاصة، وهي حملة دورية تقام كل سنة.
أما بالنسبة لدور الجانب التربوي فقد صرح محمد البشير الهيشري مستشار أول في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بوزارة التربية، أنّ هناك نية لإعادة طرح برنامج الإصلاح التربوي وذلك بتعديل بعض المحاور وتعزيزها بخطاب يخدم مثل هذه القضايا الحساسة.
لذا نخلص في الأخير إلى أن رفع الالتباس عن الأمراض المنقولة جنسيًا هو مهمة وطنية ودولية محمولة على عاتق الهياكل الرسمية ومكونات المجتمع المدني لنشر الوعي والثقافة حول الأمراض المنقولة جنسيًا للحد من الوصم الاجتماعي الذي يحيط بحياة المتعايشين والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية.